رفع الابهام
رفع الإبهام عـن أحکام الأثمان
فی العرف العام
للاستاذ المحقق: الحاج والمعتمر محمد آخوند امانی
زِیدَ عزّه العالی
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله الذی هدانا الی الایمان به،ومنّ علینا بمحمدٍأفضل الصلاة والسلام علیه الذی جاءنا بالحنیفیةالسمحة السهلة، وعلی آله نجوم الإقتداء وأعلام الهدایة،ووافرالشکرله تعالی، علی أن جعل العلماءحملة الشریعة،ومهرة الطریقة، وخصّ اوائلَ المستنبِطین منهم بمزیدالفضل والعنایة ، فاستخدمهم علی دینهم ، وهداهم الی توسیع مساعی الامة، ووفّقهم فی سیرهم بأقدام فکرهم واجتهادهم وأوصلهم الی مرادهم من الفقاهة،فأتوابالدلائل الإجمالیة والتفصیلیة،وقرّروامن المسائل ماهوجلیة وخفیة،وعلّموا لکلّ عقود حدودا،ولکلّ حدودٍ محلاوحدودا،ووضعوا لکلّ معاملة مع الله أوبالناس ابواباً وفصولاً، ولکلّ فصل وجوهاًوسبلاً فجاجاً، وتلاطم بحرالتقلیدوالتمذهب بمذاهبهم امواجا،ورأیت الناس یدخلون فی دین الله افواجا فاصطنعوااصطلاحات واصطلحوااوضاعا،فسمّوا مبادلة الثمن بالثمن ای الذهب بالذهب اوالفضة بالفضة اوبالعکس بیعاًوصرفاً، فشرطواالتقابض فی المجلس لیتعین البدلان قبل إفتراق الأبدان ویتحقق معاملةالصرف ویبعدعن بیع الکالئ بالکالئ (ای بیع الدین بالدین) الذی جاء النهی عنه فیماروی عنه صلی الله تعالی علیه وسلم نصاصریحا، فعرّفوا الصرف ببیع الثمن الخلقی والحصولی بمثله الذی مرّت صورته مسطورة ونصا، فأجمل علی الأذهان حکم الثمن العرفی والتحصیلی المسمی بالفلوس النافقة والاوراق النقدیة والعملة فی اصطلاح العالم الإنسانی،والمعاملة بها الصیرفیّ فی الذهب والحلی فحکم هذاهوالمعضل فیمابین العلماءالمعاصرة فخفی علی الأ کثر ماهوالحق فی هذه المسئلة،فلهذا کثرالسؤال والإستفسارعن حکم بیوعها بالذهب الذی هوالثمن الخلقی الاصلی المروج بذاته فی عالم الدنیا الحاضر،هل یشترط فیها التقابض فی المجلس لکونه صرفاام لا؟اوهل یجوز بیع الأوراق النقدیة العرفیة نسیئةوإسلاما بمقابلة الثمن الخلقی؟ اوماحکم بیع الفَلس بالفَلسین الملحوظ فیه الربا صریحا،وقدجاءجوازهذاالبیع نصاعن ابی حنیفة وصاحبه ابی یوسف رحمهماالله تعالی فی أکثرالکتب الفقهیة، وفیه فتح باب الربا بمصراعَیه فماتأویل هذاالجواز المروی عن الامام ابی حنیفة وابی یوسف أم هوعلی اطلاقه؟
اوما حکم کسادالأثمان الحکمیة الاوراق البنوکیة التی وقعت مکان الأثمان الخلقیة بحکم العرف العام أوإنقطاعها عن السوق اوغلائها اورخَصِها اذاعومل بها ثم رخصت ونقصت قیمتها جدّا وتنزّلت وجوهها بواسطة التضخّم وتکاد فی بعض الأحیان أن تنفذ اعتباراتها وتنتهی ان لاتروج فی الأسواق؟
فسُئِلتُ عن أحکام هذه البیوع فالتجئتُ الی الله العلیم ووثقت به وآتی إن شاءالله تعالی بما هناک من تحقیقی سیرالفقهاء من السلف والخلف المعاصر فأقول مستعینا بالله تعالی .
إعلم اوّلا ان شرط التقابض فی المجلس فی معاملة الصرف لیتعین البدلان فإن الذهب والفضة لایتعینان فی العقد بل کل افرادهما سواء فی اعتباراتهاالذاتیة فما لم یقبض البدلان قبل الإفتراق یمکن أن یکون المؤدّی بعدُ،شیئا آخرمن الذهب والفضة اللتین لم یقع العقدعلیهما (عقدالصرف)أمّاالفلوس والاوراق النقدیة من الأثمان التحصیلیة إذاقوبلت بالذهب فتتعین بوجه من الوجوه ککونها ایرانیة اوسعودیة اودُلارا امریکیا فلهذا لم یشترط ابوحنیفة رحمه الله تعالی التقابض فی سائرالاموال الربویة فجوزبیع الطعام بالطعام ای الحنطة بالحنطة من غیرإشتراط التقابض فی المجلس،لیمکن تعیین الحنطة بالوصف فلایکون ماأدی بعدتمام المجلس من البدلین غیرماذکرفی العقد،اذاسلم الموصوف برعایة وصفه.
اذاعلمت هذا،لایکون بیع الفَلس والأوراق النقدیة بالذهب صرفا بل یکون بیعامطلقااذالم یؤجّل اوسلما ان أجل، وسیأتی لهذا زیادة إیضاح وتقریرمن فقهاءالعصر،وبیانٍ کافٍ واشارةٍ وافیةٍمن الأسلاف . قال الفقهاءرحمهم الله تعالی:
(الصرف بَـيْعُ الثَّمَنِ) أي الـمخـلوق للثمنـية وهو الذّهب والفضة مطلقاً.1
(هو) لغة: الزِّيادة.وشَرْعاً: (بيع الثمن بالثمن) أي ما خلق للثمنية ومنه المصوغ2
1- فتح باب العنایة لعلی القاری ص 486 ج2
2- الدرالمختار ص 234ج 4
وفی شرح الطحاوی الصرف،اسم لعقودٍثلاثة بیع الذهب بالذهب والفضة بالفضةوأحدیهما بالأخری،واختص بشرائطه الثلاث،أحدها وجود التقابض قبل الإفتراق بالأبدان ،الثانی أن یکون عقدالصرف باتّا لیس فیه خیارالشرط لهما اولاحدهما،الثالث أن لایکون بدل الصرف مؤجّلا.1
تنبيه: سئل الحانوتي عن بيع الذهب بالفلوس نسيئة؛ فأجاب: بأنه يجوز إذا قبض أحد البدلين، لما في «البزَّازية» لو اشترى مائة فلس بدرهم يكفي التقابض من أحد الجانبين. قال: ومثله ما لو باع فضة أو ذهباً بفلوس كما في «البحر» عن «المحيط». قال: فلا يغتر بما في فتاوى قارىء «الهداية» من أنَّه لا يجوز بيع الفلوس إلى أجل بذهب أو فضة لقولهم: لا يجوز إسلام موزون في موزون، إلاَّ إذا كان المسلم فيه مبيعاً كزعفران والفلوس غير مبيعة بل صارت أثماناً ا هـ. 2
لو باع فضة بفلوس فإنه يشترط قبض أحد البدلين قبل الافتراق لا قبضهما كما في «البَحْر» عن «الذَّخيرة».3
ولواشتری مأة فلوس بدرهم، یکفی التقابض من الجانبین، وأفتی الإمام الأعظم فی الدراهم البخاریه التی غلب علیها النحاس بمنزلة الفلوس. 4
1- خلاصه الفتاوی ص 101 ج2 2- ردالمحتار ص 184ج4
3- رد المحتارص235 ج4 4- فتاوی بزازیة ص548ج1
واما الفلوس فإن رائجة فکثمن والّا فکسلع.1
وإذااشترى الرجل فلوساً بدراهم،ونقد الثمن،ولم تكن الفلوس عندالبائع، فالبیع جائز.وإن استقرض الفلوس من رجل ودفع إليه قبل الإفتراق أو بعده فهو جائز إذا كان قد قبض الدراهم في المجلس وکذلک لوافترقا بعدقبض الفلوس قبل قبض الدراهم کذافی المبسوط.2
وأما السلم في الفلوس عدداً فجائز عند أبي حنيفة وأبي يوسف،وعند محمد : لا يجوز بناء على أن الفلوس أثمان عنده فلا يجوز السلم فيها كما لا يجوز السلم في الدراهم والدنانير، وعندهما ثمنيتها ليست بلازمة بل تحتمل الزوال لأنها ثبتت بالاصطلاح فتزول بالاصطلاح وإقدام العاقدين على عقد السلم فيها مع علمهما أنه لا صحة للسلم في الأثمان اتفاق منهما على إخراجها عن صفة الثمنية، فتبطل ثمنيتها في حق العاقدين سابقاً على العقد وتصير سلعاً عددية،فيصح السلم فيها كما في سائر السلع العددية كالنصال ونحوها.3
حقیقة الصرف فی الذهب والفضه بیع بجنسه کالذهب اوالفضة بالفضة اوبغیرجنسه کالذهب بالفضة،واما حکمه فینتقل الی کل ما یروج کالفلوس النافقةوالنوط فی عصرناوشرط فیه قبض البدلین قبل الافتراق ومعنی القبض
1- الدرالمختارص244 ج4 2- فتاوی عالمگیریه ص224 ج3
3- بدائع الصنائع ص208 ج
فی الصرف یداًبیدٍلا مجرد التخلیة، لما ورد فی الحدیث یداًبیدٍ و معنی الافتراق إفتراق الأبدان لاتفرق الاقوال. الذهب والفضة ثمن ابدا سواء کا نا مصوغین اولا، مفردین اولا، مسکوکین اولا، بل سواء کانا خالصین او مخلوطین والمخلوط اما متعلق کالحلی فی الجاریة او منفصل کالحلی فی السیف او متصل اذا لم ینفصل الا بتکلّف مزید کالمنسوج اومنهمک کما لا ینفصل کالملمع والمموة ففی کل ذلک یراعی شروط الصرف و یحرم المجازفة و التفاضل اذا بیع بجنسه ولا فیه خیار الشرط ولاخیارالرؤیة.
واما الثمن الحکمی کالفلوس،فهومثمن اذابیع بالذهب والفضة، ولا صرف بینهما،وثمن اذا بیع بنفسها، فلا یجوز بیع الفلس الا متساویاو یدابیدعلی انه ثمن اما مسئلة بیع الفلس بالفلسین نقدا عنده من حیث الاصطلاح اذا أخرجاه من الثمنیةوعدم الجواز علی شرط إبقائه علی الثمنیة. واما النوط وهو القرطاس الرائجة تحکّمًا فیها مکتوب ثمنها ای عشرة او عشرون اوالف فهو منهمک فی الروبیه علی الصحیح، لا نسبة له بالذهب فلا یجوزبیعه بالروبیة الامتساویا بما کتب فیه لکن التقابض مختصةبا لذهب والفضة وهو لیس من هذا فیجوزبیعه بالفلوس کیف یشاءوالبحث فیه طویل بسطناه فی تطهیر الا موال. 1
1- تکملة عمدة الرعایة ص87ج3شر ح الوقایة
هل یجوز بیع العملات الورقیة بعضها ببعض دون تقابض فی المجلس؟
بیع الاوراق النقدیة بعضها ببعض لیس صرفا،وانما الصرف فی الذهب والفضة،لأن هذه الاوراق أثمان عرفیة والصرف مقصور علی الاثمان الخلقیة من الذهب والفضة،فلا یشترط التقابض فی مجلس العقد،لکن یشترط عند الحنفیة قبض احد البدلین حتی لایکون هناک بیع دین بدین،لأن الفلوس عندهم لا تتعین بالتعیین،وعند بقیة المذاهب لایشترط ذلک إن کان احد البدلین متعینا،لأن الأثمان تتعین بالتعیین عندهم ولا مانع ایضامن بیع عملة فی بلدواداءبدلها فی بلدآخربعدمدةلأنه یصح التأجیل فی بیع الفلوس بدراهم ای عنداختلاف الجنس و یجوز عندالحنفیه السلم فی الفلوس وفی کل ما لا یتفاوت من العددیات عند الحنابلة.1
فاتضح بما ذکرنا أن النقود الورقیة لم تبق الآن سنداً لدیون فی تخریجها الفقهیةوانما صارت اثمانارمزیةیعبر عنها الفقهاءبکلمة (الفلوس النافقة ) فإن الفلوس النافقة تکون قیمتها الاسمیة اکثر بکثیر من قیمتها الذاتیه فکذلک الاوراق النقدیة تکون قیمتها الإسمیة أضعاف قیمتها الذاتیةوجرت بها التعامل العام بین الناس دون أیما فرق بینها وبین الفلوس النافقة حتی لا توجدالعملة المعدنیةالیوم ولورمزیة الا نزرا قلیلا.2
1- فتاوی معاصرة-وهبة الزخیلی ص8-107 وراجع ص 133 من کتابه المعاملات المالیة المعاصرة
2- بحوث فی قضایا فقهیة معاصرة ص159
ومن المعدود المتقارب. الفلوس: «العملة المتخذة من غير الذهب والفضة» كالقروش النيكل والنحاس فيجوز فيها السلم، فيصح أن يسلم إليه جنيهاً في مائة وعشرين قرشاً يأخذها بعد شهر. المذاهب الاربعه ص307 ج2 تحت عنوان الحنفیه
الحنفية ــــ قالوا: الفلوس المأخوذة من غير الذهب والفضة إذا جعلت ثمناً لا تتعين بالتعيين، فهي مثل النقود المأخوذة من الذهب والفضة إلا أنه يصح بيع بعضها ببعض مفاضلة،ولا يشترط فيها التقابض من الجانبين، فإذا اشترى قرشاً «من الصاغ» بقرش من «التعريفة» أكثرمنها لِأجَلٍ فإنه يصح إذا قبض القروش الصاغ وأما إذا افترقا قبل أن يقبض أحدهما فإنه لا يصح.1
هذاغایةماأدی الیه سعیی من تحریروتقریرمسئلةالاوراق النقدیةمن الفلوس وغیرهامن الأثمان التحصیلیة المعتبرمالیتها بالتموّل فی عرف العامة اذابیعت بالذهب أوالفضة أوبیع بعضها ببعض ولومفاضلةاذااختلف الجنسان.
والآن نشرع بالبحث حول المسئلةالثانیة،وهی بیع الفلوس بعضها ببعض وإن بجنسٍ وإن مفاضلة وفی حکمها القرطاس الرائجة تحکّمافیها مکتوب ثمنها ای عشرةاوعشرون اومأةاوالف .
قال الفقیه محمدفتح فی تکملةعمدةالرعایةشرح شرح الوقایه:
وأما الثمن الحکمی کالفلوس فهو ثمن اذا بیع بالذهب والفضة،ولاصرف
1- الفقه علی المذاهب الاربعة ص272ج2
بینهما،وثمن اذا بیع بنفسها،فلا یجوز بیع الفلس إلامتساویاویدابید علی أنه ثمن.
أمامسألةبیع الفلس بالفلسین نقداعنده من حیث الإصطلاح اذا أخرجاه من الثمنیةوعدم الجواز علی شرط ابقا ئهما علی الثمنیة. 1
وأماأنه هل یخرج الفلوس النافقة عن الثمنیة بإصطلاح العاقدین ام لا؟ اویلزم لخروجها عن صفة الثمنیة حکم العامة الذین قرّروا ثمنیة الفلوس النافقة؟
ففیه بحث والأصلح أنها تخرج عن حکم الثمنیةاذا ارادا الإنتفاع بذاتها کإشتراءالاوراق البسیطة لإستعمالها مفتاح الهاتف المقفولی، اوالتعلّق علی النساء بمثابة الحلی،أو تزیین منصة العروس بالأوراق الجیدة اوإشتراء الاوراق الملوکیة العصریة بنیةالحفظ فی آلبوم ونحوه، لتکون تذکاراً فی الازمنة الآ تیة فیجوز فی هذه الصور بیع الفلوس النافقة بعضها ببعض،متفاضلة وإن بحنس فهذا هوا المحمل الصحیح لقول ابی حنیفة وابی یوسف رحمه الله تعالی ((یجوزبیع الفلس بالفلسین))وما دامت باقیة علی حالها من الثمنیة الحکمیة العالمیة حکمها کحکم الثمن الاصلی من الذهب والفضة فیجری فیها ربا الفضل إن البیع متفاضلاوبجنسها،وربا النسیئةوشبهة الربا إن مؤجلا وتجب الزکاة فیها إن حال علیها الحول، وبعدأن کانت فی حکم الذهب والفضة
1-تکملة عمدة الرعایة ص87ج3
أخذت حکم اصلها فلا یشترط نیة التجارة لوجوب الزکاة فیها.
وامّامانقل عن بعض علمائناأنهاعروض فهو لیس علی اطلاقه بل هو خروجها عن حکم الثمنیةوأریدبها الاستفادة الذاتیةوحینئذ تشترط نیة التجارة فی سائر العروض وبذل جهدَه فی تحقیق هذه المسائل مولانا محمد تقی عثمانی زبدة علماء العصر الحاضر فخرپاکستان أدام الله تعالی إفاضته للمسلمین ورز قنا لقائه فی قید الحیاة فقال ((الرای الراجح فی هذا الباب))
کان اختلاف الفقهاء هذا فی زمن یسود فیه الذهب والفضة کعیارالاثمان.
وتتداول غیرالنقود الذهبیةوالفضیة بکل حریة.ولا تستعمل الفلوس الا فی مبادلات بسیطة واما الآن فقد فقدت النقود المعدنیة من الذهب والفضة ولا یوجد الیوم منها شی فی العالم کله،واحتلت النقود الرمزیةمحلها فی سائر المعاملات کما بینا فی بدایة هذه المقالة.1
والذی یغلب علی الظّن انّ هولاءالفقهاء لو کانوا أحیاءً فی هذا الزمان وشاهدوا من تغیراحوال النقودما نشاهده لأفتوا بحرمةالفلس بالفلسین وقدرأینا فعلا من بعض الفقهاء المتقدمین،اذحرّم مشایخ ماوراءالنهر التفاضل فی العدالی والغطارفة،وهی النقود التی یغلب علیها الغش ولم تکن فیها الفضة الا بنسبةضئیلةوکان اصل مذهب الحنفیة فی مثل هذه النقود، جواز التفاضل صرفا للجنس الی خلاف الجنس،ولکن مشایخ ماوراءالنهرأفتوابحرمة التفاضل
1- بحوث فی قضایا فقهیة ص163
فیها،وعلّلوا ذلک بقولهم،إنها أعزّالاموال فی دیارنا فلوأبیح التفاضل فیه ینفتح باب الربا، ثم ان قول الامام محمد -رحمه الله تعالی-یبدو راجحا من حیث الدلیل آیضا اذاقورن بمذهب شیخیه الامامین أبی حنیفه وأبی یوسف- رحمهما الله تعالی- لان إبطال ثمنیة الفلوس لایتصورله مقصود صحیح، فقلّمایوجدمن یطمع فی خصوص مادة الفلوس من حیث کونها قطعات صفرأوحدید،وإنما یرغب فیها من حیث ثمنیتها فلو تصالحا علی إبطال ثمنیتها لایکون ذلک الاحیلة مصطنعة لتحلیل التفاضل، ومثل ذلک لایقبله الشرع ولاسیما فی زمانناحیث لایتصوا الربا الا فی النقودالرمزیة لنفاد النقود الخلقیةوفقدانها من العالم کله.
نعم !یمکن ان یُتصوّرقول الشیخین فی الفلوس التی یقصد إقتنائها من حیث موادّهاوصنعتها،ولایقصدالتبادل بها کما هو معتاد عند بعض الناس فی عصر نا من إقتناءعملات شتی البلادوشتی الأنواع لتکون ذکری تاریخیة ففی مثل هذه الفلوس یمکن ان یتصور ما قاله الشیخان - رحمهما الله تعالی -ویبدوأن فی التفاضل فی مثل هذه الفلوس سعة علی قولهما وأما الفلوس التی یقصد بها التبادل دون خصوص المادة،فلا ینبغی المساهلةفی امرها فا نها من أقوی الذرائع الی الربا. والله سبحانه وتعالی أعلم.
فالصحیح الراجح فی زماننا أن مبادلةالاوراق النقدیةانماتجوز بشرط تماثلها ولا یجوز التفاضل فیها.1
واما المسئلةالثالثه: فمعلوم لمن له أدنی تأمل لأمسّ المعاملةای البیع و الشراء والاجارةوالمضاربةوغیرها: أن الاوراق البنوکیةوقعت مکان الثمن الاصلی الخلقی منذأعوام وأمدبعید،وراجت فی أسواق عالم الدنیا فی قِیَم الاشیاء و صارالثمن الاصلی کأنه منسیّ فی المعاوضات فبناءً علی هذا العرف البشری یشکل علینا معاشرَعلماء العصر أحکام بعض المعاملات مثلا رجل باع شیئا الی آخر بثلاثةآلاف تومان ایرانی المعادل لدینار واحد من الثمن الاصلی الذی هو الذهب ویکون هذا البیع مؤجلا مثلا الی سنةوالمشتری لایفی وعده فلا یقضی الثمن فی الموعد المقرّر أولایستطیع ان یقضی الثمن المذکور فی الوقت،فتمرّ علیه أعوام کثیرة بهذا المنوال فیؤثّر علی الأوراق الإصطلاحیة بواسطةمضیّ الوقت المدید،التضخم والتورم الاقتصادی فیتغیرقیم الاشیاء بها و تکون کسادا فی الاسواق اورخیصة بالإفراط وتنزلت وجوهها جدّا فی التبایع و هذا أیضا من معضلات العصرالحاضر فنقول: وبا لله التوفیق، و بیده أزمة التحقیق،وهو المدبرالحکیم (یدبرالامرمن السماء الی الارض)وفی کل تدبیراته.
1- بحوث فی قضایا فقهیة معاصرة ص 164 تالیف محمد تقی عثمانی
للعالم حکمة،ومصلحةلخلقه،رتّب الفصول للحول، وحوّل الأحوال لیتغیرقیم الاشیاء،ویتفاوت الأسعار فیحصل النماء للأنصاب،و فیه خیر کثیر للأغنیاء و اصحاب الأموال،ویتعلق له وجوب الزکاة، فیحصل النفع للفقراء آیضا،واما التنزّل الواقع لبعض الأثمان الحکمیة لتضخّم قیم الاشیاء فی ممر الایام و الشهور،ومضیّ الاحوال والدهور،فالشرع ناظرآیضالمن شارف حقه أن یضیع، فانا أعطف أنظارک أیها القاری الکریم فی تحلیل هذا المشکل علی ماثبت فی کتب فقهاء الاسلام .واعلم أوّلا: أن فی هذه المسئلة اربع صور: الاولی کساد الثمن. والثانیة: الانقطاع من کل وجه. والثالثة: رَخَص الثمن و نقص قیمته. والرابعة: غلائه وإزدیاد اعتباره .
والکساد عبارةعن قلةالرغبةوترک المعاملةبه فی جمیع البلاد.
وحد الإنقطاع أن لایو جد فی السوق .کما قال سیدی ابن عابدین فی رسالته ( تنبیه الرقود علی مسائل النقود ) والکساد لغةکما فی المصباح من کسد الشئ یکسد من باب قتل،لم ینفق لقلةالرغبات، فهوکا سدوکسید، یتعدی بالهمزة،فیقال أکسد الله و کسدت السوق فهی کاسدة بغیرهاء فی الصحاح وبالهاء فی التهذیب و یقال أصل الکساد الفساد.
وعند الفقهاء أن تترک المعاملة بها فی جمیع البلاد، وإن کانت تروج فی بعض البلاد،لایبطل لکنه یتعیب اذا لم یرج فی بلدهم فیتخیر البائع إن شاء اخذه و ان شاء اخذ قیمته. وحدّالانقطاع أن لا یوجد فی السوق وإن کان یوجد فی ید الصیارفةو فی البیوت. هکذا فی الهدایة انتهی عبارةالسید ابن عابدین.
اذا تمهدهذا: فحکم الکسادوالإ نقطاع واحدعندأئمتنا الثلاثة کما فی کثیر من الکتب، بعدالخلاف فی هذا الحکم الواحد، فقال ابو حنیفه ببطلان البیع و قالابخلافه کما فصل کتب الفقه قال الشیخ ابو دقیقةو هو من أکابرعلماء الحنفیةو یجوز البیع بالفلوس فإن کانت کاسدةعیّنها.وإن کانت نافقةلم یعینها فإن باع بها ثم کسدت بطل البیع. 1
(فان باع بها ثم کسدت بطل البیع ) خلافا لهما لأن البیع صح فلا یفسد لتعذر التسلیم بالکسادکما اذااشتری بشیء من الفواکه وانقطع فتجب قیمتها غیرأن أبایوسف یوجبها یوم البیع لأن الثمن مضمون به، ومحمد یوم الکساد لأن عنده تنتقل الی القیمةو لأبی حنیفة ان ثمنیةالفلوس بالإصطلاح فیهلک بالکساد فیبقی المبیع بلا ثمن فیبطل فیردّالمبیع أوقیمته إن کان هالکا.1
وألف السیدمحمدأمین الشهیربإبن عابدین صاحب ردالمحتارعلی الدرالمختاررسالةمستقلةسماها (تنبیه الرقودعلی مسائل النقود)أوردفیها أقوال الائمةفقال نقلا عن جواهرالفتاوی:وفی جواهرالفتاوی قال القاضی الإمام الزاهدی ابونصر الحسین بن علی اذاباع شیئا بنقدمعلوم، ثم کسد النقد قبل
1- (سم)ص41ج2 الاختیار(متنه)
قبض الثمن فانه یفسد البیع، ثم ینتظر إن کان المبیع قائما فی یدی المشتری
یجب رده علیه، وان کان خرج من ملکه بوجه من الوجوه اوإتصل بزیادةبصنع من المشتری اوأحدث فیه صنعةمتقومة مثل ان کان ثوبا فخاطه اودخل فی حیزالإستهلاک وتبدل الجنس مثل ان کان حنطةفطحنها اوسمسما فعصره اووسمةفضربها نیلا فانه یجب علیه ردمثله،إن کان من ذوات الامثال کالمکیل والموزون والعددی الذی لایتفاوت کالجوز والبیض.
وان کان من ذوات القیم کالثوب والحیوان،فانه یجب قیمةالمبیع یوم القبض من نقد کان موجودا وقت البیع لم یکسد،ولوکان مکان البیع اجارةفانه تبطل
الاجارةویجب علی المستأجر اجرالمثل،وان کان قرضا اومهرا یجب رد مثله هذا کله قول ابی حنیفه. وقال ابویوسف یجب علیه قیمةالنقد الذی وقع علیه العقد من النقد الآخر یوم التعامل. 1
امااذا رخص الثمن اوغلا والرواج بحاله عندالسوق ففیه الاقوال المختلفة بین ائمتنا الحنفیة(الثلاثه) ایضاکمایأتی بیانها: فأبویوسف رحمه الله تعالی کان اولا مع ابی حنیفةرحمه الله تعالی فی بقاء العقدصحیحاوفی وجوب ماذکروقت العقدمن غیرنقص وزیادة،ثم رجع فقال علیه قیمةالفلوس من الدراهم یوم وقع البیع وعلیه المعوّل فی الفتوی وهوالراجح.
وفی المنتقی:إذاغلت الفلوس قبل القبض اورخصت، قال ابویوسف قولی وقول
1- رسائل ابن عابدین ص56 ج2
ابی حنیفه فی ذلک سواء،ولیس علیه غیرها،ثم رجع ابویوسف وقال:
علیه قیمتهامن الدراهم یوم وقع البیع ویوم وقع القبض والذی ذکرناه من الجواب فی الکساد فهوالجواب فی الانقطاع انتهی.
و( قوله) یوم وقع البیع ای فی صورةالبیع و(قوله) ویوم وقع القبض ای فی صورةالقبض کمانبّه علیه فی النهر . وبه علم أن فی الانقطاع قولین: الأول فسادالبیع کما فی صورةالکساد،والثانی انه یجب قیمة المنقطع فی آخریوم انقطع وهوالمختار، کما مرعن المضمرات وکذافی الرخص والغلا قولان ایضا: الاول لیس له غیرها،والثانی له قیمتها یوم البیع وعلیه الفتوی کما یأتی.
وقال العلامه الغزی عقب ما قدمناه عنه: هذااذاکسدت أوإنقطت اما إذاغلت قیمتها أوإنقطعت فالبیع علی حاله،ولایتخیرالمشتری ویطالب بالنقد بذلک العیارالذی کان وقت البیع. کذافی فتح القدیر. وفی البزازیة معزیا الی المنتقی: غلت الفلوس اورخصت فعندالامام الاول والثانی اوّلاًلیس علیه غیرها وقال الثانی ثانیا: قیمتها من الدراهم یوم البیع والقبض، وعلیه الفتوی. وهکذافی الذخیره والخلاصة بالعزو الی المنتقی. وقدنقله شیخنا فی بحره وأقره فحیث صرح: بأن الفتوی علیه فی کثیرمن المعتبرات فیجب ان یعوّل علیه إفتاءً وقضاءً لأن المفتی والقاضی واجبٌ علیهما المیل الی الراجح من مذهب امامهما ومقلدهما ولایجوز لهما الأخذ بمقابله لانه مرجوح بالنسبه الیه.1
1- تنبیه الرقود علی مسائل النقود ص85
مذهب الامام ابی یوسف فی اداء قیمةالفلوس:
والواقع أن الفلوس فی الازمنة المتقدمةکانت مرتبطة بنقود الذهب والفضةتقوّم علی أساسهما،وتُعتبرکالفکّة للنقودالذهبیة فکانت عشرةفلوس مثلا تعادل درهماواحدامن الفضة فکان الفلس الواحد یعتبرعشرالدرهم الفضی،ولکن قیمة الفلس هذه لم تکن مقدرةعلی أساس قیمتها الذاتیةوانما کانت قیمةرمزیةاصطلح علیهاالناس فکان من الممکن أن یتغیر هذاالاصطلاح بأن یصطلح الناس علی أن الفلس الواحدالآن یعتبر نصف عشر الدرهم بعدما کان یعتبرعشره،فهذا هوالمراد برخص الفلوس کما یمکن ان یصطلح الناس علی ان
الفلس الواحدالآن یعتبرخمس الدرهم وهذاهوالمراد بغلاءها .
فإذا وقع غلاءالفلوس أورخصها بهذه الصورة، فهل یؤدی المدیون نفس عددالفلوس الذی وجب فی ذمته یوم العقد؟ أویؤدی قیمةذلک العدد یوم الاداء؟قدوقع فیه خلاف العلماء،فقال ابوحنیفه: یؤدی نفس العدد الذی وجب فی ذمته یوم العقد ولاعبرةبالقیمه،وهوالمشهورمن مذهب المالکیة والشافعیة والحنابلة، فلواقترض أحدمأة فلس فی وقت یعتبرفیه قیمةالفلس الواحد عشردرهم واحد،فاقترض فلوسا تساوی عشرةدراهم فی القیمة،ثم تغیر الاصطلاح،حتی صارالفلس الواحد یعتبر نصف عشر درهم واحد. فذهب جمهورالفقهاءالی أن المقترض لایؤدی الامأة فلس،وان کانت هذه المأةلاتساوی الیوم الاخمسة دراهم.
لکن خالفهم ابویوسف – رحمه الله تعالی –فقال :إنما یجب أداء قیمةالفلوس المقترضةعلی اساس الدرهم، فمن اقترض مأة فلس فی المثال المذکور، إنما یؤدی الآن مأتی فلس لأن الفلوس فکة الدرهم، فمن اقترض مأة فلس فکأنه اقترض فکة عشرة دراهم، وان فکة عشرة دراهم یوم الأداء مأتا فلس، فالواجب علیه أداء مأتی فلس.1
مَطْلَبٌ مُهِمٌ فِي أَحْكَامِ النُّقُودِ إذَا كَسَدَتِ أَوْ انْقَطَعَتْ أَوْ غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ
قوله: (قلت ومما يكثر وقوعه الخ) اعْلم أنَّه إذا اشترى بالدَّراهم التي غلب غشها أو بالفلوس ولم يسلمها للبائع ثمَّ كسدت بطل البيع، والانقطاع عن أيدي الناس كالكساد ويجب على المُشْتري ردّ المبيع لو قائماً ومثله أو قيمته لو هالكاً؛ وإن لم يكن مقبوضاً فلا حكم لهذا البيع أَصْلاً، وهذا عنده؛ وعندهما: لا يبطل البيع، لأنَّ المتعذَر التسليم بعد الكساد، وذلك لا يوجب الفساد لاحْتمال الزَّوال بالرَّواج، لكن عند أبي يوسف: تجب قيمته يوم البيع، وعند محمد: يوم الكساد، وهو آخر ما تعامل الناس بها. وفي «الذَّخيرة»: الفَتْوى على قول أبي يوسف. وفي «المحيط» والتتمة والحقائق: وبقول محمد يفتي رفقاً بالنَّاس ا هـ. والكساد: أن تترك المعاملة بها في جميع البلاد، فلو في بعضها لا يبطل، لكنَّه تتعيب إذا لم ترج في بلدهم، فيتخير البائع إن شاء
1- بحوث فی قضایا فقهیه معاصره ص 187
أخذه وإن شاء أخذ قيمته. وحد الانقطاع أنْ لا يوجد في السُّوق، وإن وجد
في يد الصَّيارفة والبيوت، هكذا في «الهداية»، والانقطاع كالكساد كما في كثير من الكتب، لكن قال في المُضْمرات: فإن انقطع ذلك فعليه من الذَّهب والفضة قيمته في آخر يوم انقطع، هو المُخْتار ا هـ. هذا، إذا كسدت وانقطعت، أما إذا غلت قيمتها أو انتقضت فالبيع على حاله ولا يتخير المُشْتري، ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع، كذا في «فَتْح القدير» وفي «البزَّازية» عن «المنتقى»: غلت الفلوس أو رخصت فعند الإمام الأول والثاني: أولاً ليس عليه غيرها. وقال الثاني ثانياً: عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض، وعليه الفَتْوى. وهكذا في «الذَّخيرة» و«الخلاصة» عن «المنتقى»، ونقله في «البحر» وأقره. فحيث صرَّح بأنَّ الفتوى عليه في كثير من المعتبرات، فيجب أن يعول عليه إفتاء وقضاء، ولم أر من جعل الفتوى على قول الإمام.
هذا خلاصة ما ذكره «المصنف» رحمه الله تعالى في رسالته بذل المَجْهود في مَسْأَلة تغير النقود وفي «الذَّخيرة»
عن المنتقى:إذا غلت الفلوس قبل القبض أو رخصت. قال أبو يوسف: قولي وقول أبي حنيفة في ذلك سواء، وليس له غيرها؛ ثمَّ رجع أبو يوسف وقال: عليه قيمتها من الدَّراهم، يوم وقع البيع ويوم وقع القبض ا هـ. وقوله: يوم وقع البيع: أي في صورة البيع. وقوله: ويوم وقع القبض: أي في صورة القرض كما نبه عليه في «النهر» في باب الصَّرف.
وحاصل ما مرَّ: أنَّه على قول أبي يوسف المفتى به، لا فرق بين الكساد والانقطاع والرخص والغلاء في أنَّه تجب قيمتها يوم وقع البيع أو القرض لا مثلها. وفي دعوى «البزَّازية»، من النَّوع الخامس عشر، عن فوائد الإمام أبي حفص الكبير: استقرض منه دانق فلوس حال كونها عشرة بدانق فصارت ستة بدانق، أو رخص وصار عشرون بدانق يأخذ منه عدد ما أعطى ولا يزيد ولا ينقص ا هـ.
قُلْتُ: هذا مبني على قول الإمام، وهو قول أبي يوسف أولاً، وقد علمت أن المفتى به قوله ثانياً بوجوب قيمتها يوم القرض، وهو دانق: أي سدس درهم سواء صار الآن ستة فلوس بدانق أو عشرين بدانق، تأمل. ومثله ما سيذكره «المصنِّف» في فصل القرض من قوله: استقرض من الفلوس الرائجة والعدالى فكسدت فعليه مثلها كاسدة لا قيمتها ا هـ. فهو على قول الإمام.1
هذاآخرماأوردته،وجمعته فی تحقیق هذه المسائل،ورأیته حقا، والحق الحقیق عندالله، وهو أعلم بالصواب، وعنده أم الکتاب،وصلی الله تعالی علی خیرخلقه محمد وعلی آله واصحابه ومن اتخذهم أسوةحسنةً الی یوم الحساب آمین.
الفقیرمحمد أمانی
1-ردالمحتار علی الدرالمختار ص533-4ج 4